
تعليقاً على الأحكام الصادرة من محكمة لويزيانا الأمريكية والمحكمة البحرينية وفقاً للمرسوم رقم ( 34-2021م) الصادر عن حكومة دبي
لا شك أن التحكيم من أهم الوسائل و الطرق الودية لفض المنازعات ولا سيما المنازعات التجارية. ولكن هناك حالات ترفض فيها المحاكم تنفيذ شرط التحكيم و تتعامل معها كأن لم تكن ومن تلك الحالات عدم انصراف إرادة الأطراف لحل النزاع عن طريق التحكيم، فلابد من أن تكون العبارات جازمة دالة على فض النزاع عن طريق التحكيم. والحالة الثانية هي انقضاء كيان المؤسسة التحكيمية لأي سبب كان بعد التنصيص عليها في شرط أو مشارطة التحكيم.
سنتناول حكمين مهمين قضيا بعدم إنفاذ شرط التحكيم لسببين :
-
الاول : قضاء محكمة لويزيانا الأمريكية الذي قضت بعدم إنفاذ شرط التحكيم لعدم وجود مركز التحكيم المتفق عليه.
-
الثاني : قضاء المحكمة البحرينية بعدم إنفاذ شرط التحكيم لأن صياغة شرط التحكيم كانت غير جازمة.
الاول : قضاء محكمة لويزيانا الأمريكية :
أن الحكم المهم جداً و الذي رفضت فيه محكمة لويزيانا الأمريكية طلباً باعتبار شرط التحكيم الذى ينص على اختصاص مركز تحكيم DIFC – LCIA شرطاً يعقد الاختصاص لمركز دبي للتحكيم الدولي DIAC. وذلك انتصاراً لإرادة الأطراف حيث أن ارادة الأطراف هي التي تنشئ حق اللجوء الى التحكيم ، ولما كانت ارادة الأطراف قد انصرفت الى انعقاد شرط التحكيم لدى مؤسسة بعينها وكانت تلك المؤسسة التحكيمية قد انقضت فيجب على الأطراف الاتفاق على مؤسسة تحكيمية أخرى أو أن تنصرف إرادتهم الى التنازل عن شرط التحكيم برمته و اللجوء الى القضاء الطبيعي ، ومن هنا نجد أن القضاء الأمريكي يعلي من قيمة مدرسة الارادة في التحكيم.
وتعود وقائع هذه القضية إلى أن نزاع حدث بين شركة Baker Hughes Saudi Arabia وبين شركتي Dynamic Industries INC و Dynamic Industries International. اذ تدعى الأولى بأنها قامت بالتوريد وفقاً للعقد إلا أن المدعى عليهما أخلتا بالتزاماتمها.
وتضمن العقد بنداً يقضي بإحالة أي خلاف قد ينشأ بين الأطراف إلى مركز تحكيم DIFC-LCIA. إلا أنه فى عام 2021 م صدر المرسوم رقم 34 والذى يقضي بإلغاء مركز DIFC-LCIA ونقل حقوقه والتزاماته إلى مركز دبي للتحكيم الدولي. للاطلاع على المرسوم أضغط هنا.
أقام المدعي دعواه أمام المحاكم الأمريكية باعتبار أن مركز التحكيم المنصوص عليه في العقد لم يعد قائماً و قد انقضى كيانه القانوني . بينما تمسك المدعى عليهما بشرط التحكيم و ادعوا بأن اتفاق التحكيم لازال سارياً لأنه بموجب المرسوم الصادر من حكومة دبي والذي أدى الى إلغاء مركز DIFC-LCIA، نقل بموجبه حقوق والتزامات المركز إلى مركز آخر وهو مركز DIAC وبالتالي يظل بند التحكيم قائماً وسارياً وطالب من عدالة المحكمة الموقرة بإلزام المدعي بالسير في إجراءات التحكيم لدى مركز دبي للتحكيم الدولي DIAC. الذي نقل اليه الاختصاص بالمرسوم المذكور أعلاه.
و قضت محكمة لويزيانا الأمريكية أن التحكيم اتفاق منشئه العقد ويجب تنفيذه وفقاً لبنوده وأن رضا الأطراف هو الركن الأساسي في اللجوء للتحكيم. وقضت بأن المحاكم الأمريكية ليس لها سلطة إلزام الأطراف باللجوء الى التحكيم عندما يعدو الشرط التحكيمي غير قائم بإنتهاء المركز المتفق عليه . وأنه ليس للمحاكم الأمريكية ولا لأية حكومة سلطة إعادة كتابة اتفاق التحكيم أو إلزام الأطراف إلى اللجوء لأي مركز غير ما انصرفت ارادتهم الى اللجوء إليها والأمر بإجراء التحكيم فى مركز أخر لم يتفق عليه الأطراف وذلك انتصاراً لإرادة الأطراف الذي ينشئ حق اللجوء الى التحكيم. ومهما كان التشابه بين مركزي DIAC و DIFC-LCIA، إلا أن DIAC ليست ذات المركز الذي اتفق عليه أطراف التحكيم.وقضت لويزيانا الأمريكية بأن شرط التحكيم لم يعد قائماً وأن الاختصاص بالتالي ينعقد للمحاكم الأمريكية.
وتعتبر هذه القضية هي أول قضية تحكيمية يتم فيها اختبار مسألة دمج مركزي التحكيم بموجب المرسوم الصادر عن حكومة دبي الوارد أعلاه وتعد سابقة قد يبنى عليها مستقبلا وسوف تؤثر على جميع مشارطات التحكيم التي تنص على اختصاص مركز تحكيم DIFC-LCIA.
للإطلاع على حكم محكمة لويزيانا الأمريكية أضغط هنا
الثاني : قضاء المحكمة البحرينية بعدم إنفاذ شرط التحكيم لأن صياغته كانت غير جازمة :
يتلخص وقائع هذه الدعوى أن المدعية أقامت دعواها ، وطلبت في ختامها الحكم بتعيين ثلاث محكمين للفصل في النزاع وذلك على سند من القول أن عقد الاتفاق (عقد المقاولة و التوريد ) قد تضمن شرط التحكيم في البند 18 منها و قد تخلفت المدعى عليها من حل النزاع ودياً أو الاتفاق على مُحكم للفصل في النزاع رُغم إخطارها رسمياً بذلك ، ما حدا بالمدعية إقامة دعواها بذات الطلبات.ومثلت المدعى عليها وقدم مذكرة دفاع طلب في ختامها رفض الدعوى لانتفاء شرط التحكيم ، ولما لمحكمة الموضوع سلطة في تفسير شرط التحكيم ، وكان البند 18 الوارد بعقد الاتفاق قد نص تحت عنوان (النزاعات) على أنه ” في حالة نشوء أي نزاع بين الطرفين فيتم تسويته عن طريق التحكيم الودي وفي حالة عدم تسويته من خلال التحكيم يحال النزاع الى محاكم البحرين اذا لزم الأمر ” واعتبرت المحكمة أن العبارات التي صيغ بها ذلك البند تشير صراحة إلى عدم اتجاه إرادة الطرفين الى حسم النزاع بينهم عن طريق التحكيم إذ تضمن الاتفاق أنه في حال فشلت التسوية عن طريق التحكيم الودي يحال النزاع لمحاكم البحرين للفصل فيه وهو ما توقف عندها المحكمة حيث رأت المحكمة أن عبارة التحكيم الودي الواردة في ذلك البند لم يقصد بها المتعاقدين سوى التسوية الودية أو الحل الودي دون اللجوء الى التحكيم ، و هو ما ينتفي معه شرط التحكيم ، ما تقبل معه المحكمة دفاع المدعى عليها و تقضي برفض الدعوى.
نعم بذلك اعتبرت المحكمة الموقرة ان شرط التحكيم غير جازم ولم تنصرف إرادة الطرفين الى اللجوء التحكيم ، وعليه يجب على السادة المحامين إحكام صياغة شرط التحكيم ان انصرفت ارادة الاطراف الى اللجوء اليه حتى لا يفقدوا حقهم بذلك ولا سيما لأهمية التحكيم في المنازعات التجارية و لما تتميز به التحكيم من سرعة و سرية.
للإطلاع على حكم المحكمة البحرينية اضغط هنا
تابع المدونة ستجد كل جديد في التشريعات و القوانين و التعاميم , والسوابق القضائية
تابعنا
نسعد بتواصلكم وخدمتكم