سنتناول في هذه المساحة حجية التسجيلات الصوتية أمام القضاء المدني و الجنائي متناولين حكم حديث لمحكمة النقض الفرنسية التي سمحت أخيراً وقبلت الاحتجاج بالتسجيل الصوتي ولكن بضوابط معينة سنتناولها في حينه في الدعوى المؤرخة بتاريخ (22 ديسمبر 2023، رقم 2020.648 ) .
حيث أوردت المحكمة بأن يقوم مبدأ نزاهة الإثبات ” le principe de loyauté de preuves ” على عدم قبول أي دليل تم الحصول عليه خلسة دون ارادة و علم الطرف المحتج ضده ، وقد درجت المحاكم الفرنسية سابقاً على استبعاد هذا النوع من الإثبات أمام القضاء المدني منذ عام 2011م ، و لكن استجابة لتسارع وتنامي التطور التكنولوجي في العقد الأخير ، و تزايد استخدام الهواتف النقالة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعية بصورة كبيرة بين المواطنين في معاملاتهم و حياتهم اليومية ، و اعتباراً لصعوبة إثبات بعض الوقائع لوقوعها في حيز من الصعب تصور احتمال إثباته عبر شهود محتملين و للتوازن بين اعتبار صعوبة الإثبات في هذه الحالة و ضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد مما دفع بمحكمة النقض الفرنسية للتراجع عما درجت عنها في أحكامها السابقة في قرارها الصادر بجميع الغرف بتاريخ 7 يناير 2011م في الطعن رقم (9 – 316- 14) و في قرار حديث صادر بجميع الغرف بتاريخ 22 – ( ديسمبر – دجنبر ) من العام المنصرم 2023 م سمحت أخيرا محكمة النقض الفرنسية بقبول تسجيل صوتي تم الحصول عليه خلسة دون علم الخصم ( بينة الاستغفال) كدليل إثبات أمام القضاء المدني ، ولكن بشروط و ضوابط صارمة يمكن إجمالها في الآتي :-
أولاً : أن يكون هذا الدليل لاعمال أو اقتضاء المتقاضي لحقوقه .
ثانياً: ألا يترتب على استخدام هذا الدليل مساس غير متناسب بالحقوق الأساسية للخصم.
ثالثاً: أن يكون هذا الدليل هو الوسيلة الاثباتية الوحيدة المتاحة لاقتضاء طرف لحقوقه. ( مما يعني وجوب خلو الدعوى من ثمة دليل).
ويوازن هذا الاجتهاد المهم بصورة دقيقة بين اعتبارات مبدأ نزاهة الإثبات من جهة و الحق في الإثبات من جهة أخرى وهو الأمر الذي يساعد القاضي المدني الى النفاذ الى الحقيقة الواقعية المجردة بعيدا عن القيود المغلقة بوازع حماية الحقوق.
هذا الأمر يفتح أفقًا جديدًا لتعديلات تشريعية في قوانين الدول طبقا لمفهوم التطور التكنولوجي
حيث تعيش المجتمعات في عصر تتسارع فيه التقدم التكنولوجي، وتكون التشريعات القانونية في تحدي مستمر للتكيف مع هذا التطور. في هذا السياق،
وهذا الحكم الحديث لمحكمة النقض الفرنسية قد يلقي بظلاله على مستقبل التشريعات والمبادئ القانونية.
وكما سبق الاشارة اليه تكمن أهمية هذا الحكم في التوازن بين حقوق الأفراد وضرورة توفير وسائل إثبات فعالة وحقيقية ، خاصة في ظل التطور التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
يفتح هذا القرار آفاقا جديدة للتشريعات المستقبلية، لتحديد معايير لاستخدام التسجيلات الصوتية كدليل في القضاء.
يتعين على المجتمعات – ولا سيما في المحيط الإقليمي – التفكير بجدية في تحديث التشريعات وتطوير الإجراءات القانونية للتكيف مع هذه المتطلبات العصرية .
حيث أننا أمام حقبة جديدة في ميدان القانون، حيث يتطلب التحول الرقمي و التكنولوجي مراجعة دقيقة للقوانين القائمة و السارية وتكاملها ومواءمتها مع التقنيات التكنولوجية الحديثة.
و يجب أن تكون هناك خطوات فعالة لحماية حقوق الأفراد من جهة وتحقيق العدالة من جهة أخرى ، مع مراعاة التوازن الدقيق بين الحماية الفردية والضمانات القانونية و الحق في الاثبات.
ختاماً ، يتعين على المجتمع القانوني أن يكون على اطلاع دائم ولصيق بالتقنيات الحديثة وأن يتبنى نهجا مستداماً لتطوير التشريعات ومواكبتها للتطور التكنولوجي ولا سيما وصل العالم الان عصر الذكاء الاصطناعي (AI) ويجب دراسة تحدياتها القانونية ، حتى تظل العدالة والقانون مواكبا للتطور ومحدثا باستمرار كي لا يكون القانون في واد والمجتمع في واد آخر حيث أن التشريعات و القوانين هي ابنة البيئة يتطور بتطورها.
وفي القوانين المقارنة قبلت أيضا محكمة النقض المصرية على الاحتجاج بالتسجيلات الصوتية في المجال الجنائي اذا كان عبارة عن سب وقذف وسجلها المجني عليه بهاتفه الخاص ((أجازت محكمة النقض تسجيل المكالمات التليفونية إذا كانت تنطوي على سب وقذف من تليفون المجنى عليه الذى يكون له بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لاحد، أما إذا جرى تسجيل إحدى المكالمات وتعرّض صاحبها للتهديد بإفشاء أسراره التي جرى الحصول عليها من المكالمة ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدّة قد تصل إلى 5 سنوات)) ..
وهذا بالواقع يمكنه طرحه على تسجيلات بين الزوجين إذا كانت احد الزوجين معروف انه يقوم دائما بالسب والقذف للطرف الآخر مما يجوز للطرف المتضرر تسجيل هذه المكالمات من هاتفه الخاص.
ومفاد ذلك , بصريح النص وواضح دلالته , لن المشروع تطلب مباشرة الإجراءات المبينة بالمادة المار ذكرها , كي يوضع تحت المراقبة التليفون الذي استعان به الجاني في توجيه ألفاظ السب والقذف إلى المجني عليه , بحسبان أن تلك الإجراءات فرضت ضمانه لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم , ومن ثم فلا تسرى تلك الإجراءات على تسجيل ألفاظ السب والقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له , بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية تسجيلها , بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد , ومن ثم فلا جناح على المدعيين بالحقوق المدنية إذ وضعا على خط التليفون الخاص بهما جهاز تسجيل لضبط ألفاظ السباب الموجة إليهم توصلا إلى التعرف على شخص من اعتاد على توجيه ألفاظ السباب والقذف إليهما عن طريق الهاتف .
(طعن رقم 22340 لسنة 62)
و يمكنك الاطلاع على مفهوم ” مبدأ نزاهة الإثبات ” بالتالي:-
يعني مبدأ نزاهة الإثبات أن تكون الأدلة المقدمة في المحاكمة صحيحة وسليمة، وأن تكون قد تم الحصول عليها بطريقة قانونية وعادلة. ويهدف هذا المبدأ إلى حماية حقوق المتهمين وضمان سير العدالة.
ويتضمن مبدأ نزاهة الإثبات عدة عناصر، منها:
صدق الأدلة: يجب أن تكون الأدلة المقدمة في المحاكمة صادقة وحقيقية، وأن تعكس الواقع بشكل دقيق.
سلامة الأدلة: يجب أن تكون الأدلة المقدمة في المحاكمة سليمة وكاملة، وأن لا تكون قد تعرضت للتغيير أو التزوير.
الحصول على الأدلة بطريقة قانونية وعادلة: يجب أن يتم الحصول على الأدلة المقدمة في المحاكمة بطريقة قانونية وعادلة، وأن لا تكون قد تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة، مثل التعذيب أو الإكراه.
وهناك عدة طرق لضمان نزاهة الإثبات، منها:
الالتزام بالقوانين والإجراءات القانونية في الحصول على الأدلة.
المراقبة القضائية على إجراءات الحصول على الأدلة.
منح المتهمين حق الطعن في الأدلة المقدمة ضدهم.
ويعد مبدأ نزاهة الإثبات من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، حيث يلعب دورًا مهمًا في حماية حقوق المتهمين وضمان سير العدالة.
وفيما يلي بعض الأمثلة على انتهاكات مبدأ نزاهة الإثبات:
تقديم أدلة كاذبة أو مزورة في المحاكمة.
استخدام التعذيب أو الإكراه للحصول على الأدلة.
عدم تمكين المتهم من الاطلاع على الأدلة المقدمة ضده.
وهذه الانتهاكات يمكن أن تؤدي إلى بطلان المحاكمة أو الحكم الصادر فيها.
حجية التسجيلات الصوتية : –
تختلف حجية التسجيلات الصوتية باختلاف النظام القانوني. في بعض البلدان، تعتبر التسجيلات الصوتية دليلًا قويًا يمكن استخدامه لإثبات الحقائق. في بلدان أخرى، تعتبر التسجيلات الصوتية دليلًا أقل قوة، ويمكن استخدامها فقط كوسيلة لدعم الحجج الأخرى.
بشكل عام، تستند حجية التسجيلات الصوتية إلى عدة عوامل، منها:
الجودة الفنية للتسجيل: كلما كانت جودة التسجيل أعلى، زادت حجيته.
ظروف تسجيل: كلما كانت ظروف التسجيل أكثر طبيعية، زادت حجيته.
السياق الذي تم فيه التسجيل: كلما كان السياق واضحًا، زادت حجية التسجيل.
في بعض الحالات، يمكن أن تكون التسجيلات الصوتية دليلًا حاسمًا. على سبيل المثال، يمكن استخدام التسجيلات الصوتية لإثبات ارتكاب جريمة أو إثبات وجود اتفاق بين طرفين.
فيما يلي بعض الأمثلة على استخدام التسجيلات الصوتية في الإثبات:
استخدام التسجيلات الصوتية لإثبات ارتكاب جريمة: في عام 2021، استخدمت الشرطة في المملكة المتحدة تسجيلًا صوتيًا لإثبات ارتكاب رجل لجريمة سرقة.
استخدام التسجيلات الصوتية لإثبات وجود اتفاق بين طرفين: في عام 2022، استخدمت محكمة في الولايات المتحدة تسجيلًا صوتيًا لإثبات وجود اتفاق بين رجلين لرشوة موظف حكومي.
ومع ذلك، يمكن الطعن في حجية التسجيلات الصوتية في بعض الحالات. على سبيل المثال، يمكن أن يجادل المدعى عليه أن التسجيل الصوتي تم التلاعب به أو أنه تم تسجيله بشكل غير قانوني.
في الختام، تتمتع التسجيلات الصوتية بحجية قانونية في العديد من البلدان. وتأخذ حجية المستندات العادية في كثير من الدول ومع ذلك، يمكن أن تختلف هذه الحجية باختلاف النظام القانوني.
مبدأ عدم جواز صنع الدليل : –
يعني مبدأ “عدم جواز صنع دليل” أنه لا يجوز للسلطات العامة، بما في ذلك الشرطة أو النيابة العامة، أن تصنع دليلًا ضد المتهم. ويهدف هذا المبدأ إلى حماية حقوق المتهمين وضمان سير العدالة.
ويتضمن مبدأ “عدم جواز صنع دليل” عدة عناصر، منها:
المنع من استخدام التعذيب أو الإكراه للحصول على الاعترافات: يمنع هذا العنصر السلطات العامة من استخدام التعذيب أو الإكراه للحصول على اعتراف من المتهم.
المنع من التحريض على الإدلاء بشهادة كاذبة: يمنع هذا العنصر السلطات العامة من التحريض على الإدلاء بشهادة كاذبة ضد المتهم.
المنع من زرع الأدلة أو التلاعب بها: يمنع هذا العنصر السلطات العامة من زرع الأدلة أو التلاعب بها ضد المتهم.
وهناك عدة طرق لضمان مبدأ “عدم جواز صنع دليل”، منها:
الالتزام بالقوانين والإجراءات القانونية في الحصول على الأدلة.
المراقبة القضائية على إجراءات الحصول على الأدلة.
منح المتهمين حق الطعن في الأدلة المقدمة ضدهم.
ويعد مبدأ “عدم جواز صنع دليل” من المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، حيث يلعب دورًا مهمًا في حماية حقوق المتهمين وضمان سير العدالة.
وفيما يلي بعض الأمثلة على انتهاكات مبدأ “عدم جواز صنع دليل”:
استخدام التعذيب للحصول على اعتراف من المتهم: في عام 2022، أدانت محكمة في المملكة المتحدة ضابط شرطة بتهمة استخدام التعذيب للحصول على اعتراف من متهم.
تحريض شاهد على الإدلاء بشهادة كاذبة ضد المتهم: في عام 2023، أدانت محكمة في الولايات المتحدة رجلاً بتهمة التحريض على الإدلاء بشهادة كاذبة ضد متهم.
زرع أدلة ضد المتهم: في عام 2024، أدانت محكمة في مصر ضابط شرطة بتهمة زرع أدلة ضد متهم.
وهذه الانتهاكات يمكن أن تؤدي إلى بطلان المحاكمة أو الحكم الصادر فيها.
حجية رسائل الواتساب:
ايضا تتمتع رسائل الواتساب بحجية قانونية في العديد من البلدان. ومع ذلك، يمكن أن تختلف هذه الحجية باختلاف النظام القانوني.
فيما يلي بعض الشروط التي يجب توافرها لقبول رسائل الواتساب كدليل في المحاكم:
أن تكون الرسالة صادرة عن شخص له مصلحة في الدعوى.
أن تكون الرسالة ذات صلة بالدعوى.
أن تكون الرسالة سليمة من التزوير.
إذا توافرت هذه الشروط، فإن رسائل الواتساب يمكن أن تكون دليلًا قويًا يمكن استخدامه لإثبات الحقائق في الدعوى.
تابع المدونة ستجد كل جديد في التشريعات و القوانين و التعاميم , والسوابق القضائية
تابعنا
نسعد بتواصلكم وخدمتكم